banner
under-banner
list
ad ad3 ad4
ارسل مشاركتك المقــال القصة والكتب لقاءات الشعراء الشعر الفصيح الشعر النبطي الخواطر الرئيسة

الإبداع الأدبي .. الدكتور مختار بولعراوي

 

 

الإبداع موهبة وصنعة، فمن لا موهبة له لا يمكن أن يتعلّم هذه الصّنعة، ومن أنعم الله عليه بهذه الموهبة فهو يصقلها بالمراس والمدارسة والنقد والمراجعة،  يتجلّى الإبداع الأدبي في سحر الكلمة ورونق النّغمة عند كل فرد  يملك استعدادًا فطريًا وحساسية مفرطة تجاه الموضوعات، فالمبدع الحقّ هو الذي يملك الموهبة يضاف إليها مدركات عصره الثقافية والفكرية والعلمية، هو الذي يعيد دمج الأفكار والمعارف والأحاسيس دمجًا جديدًا، ويصوغها بلغة غير اللغة المعهودة. إنّ الإبداع هو نتيجة تفاعل المبدع مع محيطه الاجتماعي، تفاعل يختلف عن كل التفاعلات عند الأفراد العاديين؛ لأنّ المبدع ليس فردًا عاديًا، فهو أكثر حساسية إزاء الموضوعات، يتعامل مع الكلمات بوعي وبمسؤولية، ويدرك أنّ الكلمة الصادقة النابعة من القلب، هي كلمة تكتب لها الحياة على مرّ العصور، الكلمة المعبّرة عن مكنونات الإنسان هي التي تثير فينا الشعور بالجمال والروعة، سواء أكانت هذه الكلمة شعرًا أم نثرًا .

الإبداع ابتكار وخلق، ولا نعني بالخلق أنّ المبدع يخلق أشياء من العدم، فذلك مقصور على الله سبحانه وتعالى، فهو تحويل للمشاعر والأحاسيس والمدركات إلى كلمات معبّرة عن الرؤى والمشاعر. وتفجير للطاقات المبدعة الكامنة عند الموهوبين، ونحن نعمل على تنمية الموهبة وتشجيع الطالبات على ممارسة النشاط الإبداعي الذي يخرج عن المألوف وعن تقليد النموذج إلى التعبير باستقلالية وأصالة، فكل من حاول تقليد نموذج من النماذج إلا وتحوّل في مرحلة من المراحل إلى مجرّد راوية لنموذجه، لا يخرج عن إطاره ولا يمزّق شرنقة النموذج التي لفّ نفسه بها، ولا ينفك عن قيده الذي كبّل نفسه به، فللمبدع مطلق الحرية التي تؤهله لتقديم نظرة جديدة للأشياء لا تكرار أكليشيهات جاهزة أنتجها غيره في مرحلة زمنية، فتردادها لا يخلق منّا أبدًا مبدعين، وإنّما مجموعة من المقلّدين تقليدًا ممجوجًا لا تمضي مدّة حتى ينكشف للقراء زيفه وبهرجه.

المبدع هو الإنسان الذي يضيف شيئًا إلى الذين سبقوه، إضافة يتميّز بها من غيره، ويعتزّ بنسبتها إليه، مولود جديد ينسب إليه. والأديب الحق هو الذي يعبّر عن مفهومه للحياة، وبقدر ما يعبّر عن مشاعر فردية فهي في الغالب لا تختلف عن المشاعر الجماعية عند الفنان الأصيل؛ لأن شخصية هذا الأديب مع تفرّدها وتميّزها عن الآخرين فهي مجموع كل العلاقات  الإنسانية، فهو سواء أراد أو لم يرد، أدرك أو لم يدرك، فإنّه عندما يعبّر عن الذاتي والمكنون فيه، فهو يعبّر عن القيّم الأخلاقية والإنسانية، وهو وإن كان فردًا مستقلا فهو يعبّر عن روح مجتمعه، أنّه الشخص الذي يحمل في أعماقه هموم الجماعة التي ينتمي إليها، وهو الذي يبرهن في كتاباته أنّه ينتمي للإنسانية، ولهذا يمكن أن نقول إنّ الإبداع الأدبي الذي هو تعبير ذاتي عن الشخصية يصبح تعبيرا ذاتيا عن المجتمع، مما يسمح للمجتمع أن يرى في الفنان العظيم بشيره ومفكّره ومغنّيه،.

فالمبدع الأصيل غني بمشاعره الجياشة وأفكاره النيّرة وإيمانه القوي برسالته التي يسعى إلى تحقيقها، فهو إنسان مستعدّ للتّضحية والعطاء، يتفاعل مع الآخرين وينفعل بهم، تحرّكه آلامهم فيعبّر عنها، وتهزّه أحزانهم فينفجر عطاء أخاذا مؤثّرا، فهو في أخذ وعطاء، وعلاقات متواصلة مع الماضي والحاضر، يأخذ من الموروث ما يفيد العصر ويحافظ على الأصول، ويتفاعل مع هموم عصره فيبدع غير مقلّد ولا متنصّل من تراث الأجداد، تراث يعيش فيه، يأخذ منه ويضيف إليه.والسؤال الذي يطرحه الأديب على نفسه لماذا أكتب؟ ولمن أكتب؟الأديب لا يكتب لنفسه فقط، فهو يكتب لقارئ مفترض حتى لو كان هذا القارئ هو الأديب نفسه؛ لأنّ بعد العملية الإبداعية يتحوّل الأديب نفسه إلى قارئ، ولذة الإبداع تكمن في التعبير وفي التأثير في الآخرين، وكثير من الأعمال الأدبية كان لها تأثير فعّال في نشر المعرفة وتنوير العقل، وتغيير المفاهيم، والحثّ على الحرية والعدل ونشر الخير وبث روح الأمل في النفوس، ومن يعود إلى الأعمال الأدبية الناجحة منذ العصر الجاهلي إلى يومنا هذا يجد أنّ تأثيرها كان قويًّا في إحداث تغييرات كثيرة، وكان الشاعر لسان حال قبيلته، والمدافع عنها، وهو الذي ينشر أمجادها، ويتغنى بانتصاراتها، ويخلّد مآثرها.

          ويمثّل الإبداع، عند كثير من الشعوب، نقطة تحوّل في نهضتها الثقافية، ونقطة تطوّر على المستوى الفكري والحضاري، فكلّ الأمم تكنّ مشاعر الحبّ والعرفان لمبدعيها الذين ساهموا في نشر الوعي بين أفرادها، وعرّفوا بها عند الشعوب الأخرى، وعملوا على نقل تراثها إلى الأجيال، وللإبداع دور مهم في بناء الإنسان وصناعة المستقبل وفق منظور يواكب العصر في تطوّره المستمر، وتجدّده الذي لا يعرف الثبات والجمود؛ لأن الجمود والركود هو من علامات اضمحلال الفكر، وهو عدو الإبداع، فالإنسان دائما في تفاعل مستمر مع محيطه الاجتماعي وبيئته ومع العالم الإنساني الذي ينتمي إليه.

   فنحن في انتظار كتاباتكن في مختلف الأجناس الأدبية آملين أن تنشر في هذا الموقع وتلقى القبول والإعجاب من القراء، وأن تشكّل إضافة حقيقية للإنتاج الأدبي الذي يساهم في غرس القيّم الأخلاقية والوطنية.